الممهدون بين الانتظار والتمهيد
هدى محمد مهدي الصالح
الخلاصهالحديث حول المهدي عليه السلام ودولته العالمية يدفعنا للحديث بشكل تلقائي عن الانتظار والتمهيد وأبعادهما المختلفة.فقضية المهدي وخروجه وإقامة دولة الحق يدفع بكل من يؤمن بهذه القضية إلى التطلع الدائم والدؤوب إلى يوم خروجه عليه السلام فهو أمل ينعقد في النفوس والتفاعل مع هذا الأمل يدفع بالمؤمنين به أن يسعوا إلى هذه اللحظة المباركة ببذل الجهد للتمهيد لظهوره بتوفير العوامل المساعدة و رفع العوائق المانعة.
إن الانتظار و التمهيد وظيفة المؤمن زمن الغيبة , وأساس وظيفته يقوم على إعداد الظروف وتهيئة الأرضية اللازمة لظهور الحجة وذلك من خلال تربية النفوس ورفع عوامل الإستعداد بتوعية الأفراد والجماعات بأهمية الانتظار وضروريته لتحقيق التهيئة والتمهيد لإقامة دولة الحق التي تبسط العدل في الكون بعد ما ملئ ظلما وجورا.
سعينا في هذا البحث تسليط الضوء على مفهوم الانتظار و التمهيد و تبيين السبل و العوامل و العوائق التي تتعلق بالتمهيد في خمسة فصول متمنين من المولى القبول.
مقدمه
الانتظار للمهدي، هذا المصطلح الذي أكد عليه في الروايات الشريفة بكثرة مثل رواية: «أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج» ومن خلال البحث وجدنا له معنيين, لغوي ـ واصطلاحي.
المعنى اللغوي: كلمة الانتظار قد اشتقت من (نظر) قال صاحب المفردات:(نظر: النظر تقليب البصر والبصيرة لإدراك الشيء ورؤيته وقد يراد به التأمل والفحص وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص, والنظر الانتظار يقال نظرته وانتظرته وأنظرته)"
المعنى الإصطلاحي للانتظار: ويعنى به خصوص انتظار فرج الله الذي هو فرج حجة الله الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي به يكشف الله الغم، ومن هذا المنطلق تُبِعت الكلمة بكلمة الفَرَج الذي هو الانكشاف " وهذا المعنى من الانتظار أعنى انتظار الفرج قد أكتسب قسطاً من القدسية والاعتبار بحيث صار من علائم الإخلاص الحقيقي والتشيُّع الصادق ومن مميزات الدعاة إلى دين الله سراً وجهراً,جاء في الحديث: (..أولئك المخلصون حقا وشيعتنا صدقا والدعاة إلى دين الله سرا وجهرا) "
حقيقة الانتظار
الانتظار يطلق عادة على حالة الشعور بعدم الارتياح من الوضع الموجود، ويسعى إلى إيجاد الوضع الأفضل والأحسن. ولهذا فانتظار الإمام المهدي(عليه السلام)يلازمه عدم الرضا والانخراط في الواقع المنحرف أو الفاسد، والقيام بواجب الإصلاح ومواجهة كل أشكال وأنواع الفساد والانحراف والباطل.
وجوهر الانتظار هو التمهيد للظهور فكلما كان الانتظار أشد كلما كان الظهور آكد، و الانتظار يحتاج إلى أدوات فاعلة في مسيرة الظهور وهم الأفراد الذين يؤمنون بهذه الحقيقة " الممهدون "، فبدون الممهدين لا يكون للانتظار معنى أصلا ً.
قال تعالى:" ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض " .هنا وعد إلهي بإمامة المستضعفين ووراثتهم للأرض، وهذا يمنح المستضعفين قوة وثقة وطمأنينة وصبراً على تحمل متاعب الساحة، ويثبت أقدامهم على أرض المعركة، وباعث للأمل في نفوس المنتظرين لهذا الوعد.
وقال تعالى:" ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" .
فالإيمان بهذه الحقائق القرآنية التي هي " وراثة الصالحين " و" إمامة المستضعفين " يمنح المنتظرين القدرة على مواجهة الصعاب وتحدي الجبابرة في أقسى الظروف ويحول بينهم وبين الانهيار والهزيمة النفسية.
مفهومي الانتظار
- المفهوم السلبي: يرتكز على مبدأ الاستسلام أمام الفساد والظلم والانحراف، واليأس من إصلاح العالم ونشر العدل قبل ظهوره، بل إن الفساد والظلم من أسباب الظهور. وهذا المفهوم ـ مبدأ الاستسلام ـ عند شريحة واسعة يعطي للانتظار بعدا ً سيئا ً، وهذا الشعور يدفع بحامل هذا الفكر إلى التقاعس عن أداء واجبه الشرعي تجاه نفسه والمجتمع ويفضل أن يغلق الأبواب على نفسه حتى يخرج صاحب الأمر فيبسط العدل بنفسه، ويقضي على رموز الظلم والطغيان. أما من يرى أن انتشار الفساد والظلم من أسباب تعجيل الفرج، فلا أظن أن هؤلاء يؤمنون بخروج المصلح عليه السلام أصلا ً وإنما يحاولون إشاعة مثل هذا الأمر ليبرروا أفعالهم الخاضعة لأهوائهم ونزعاتهم الشيطانية.
ـ المفهوم الإيجابي: ويستند إلى أن الانتظار باعث على التحرّك لا الركود وعامل وعي ويقظة. ويسعى المنتظرون لإيجاد الوضع الأفضل والأصلح، وأنه يخلق روح المسؤولية، وأنه مصداق للعبادة. قال رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) كما روي عنه: "أفضل العبادة انتظار الفرج" . وبنظر هؤلاء فإن الإمام إنما غاب نتيجة عدم نضوج الظروف الموضوعية لقيامه بالأمر فالانتظار إذن هو العمل على إنضاج الظروف الموضوعية للمشروع المهدوي بمعنى العمل على استرجاع الغائب من غيبته،
إن هذا المفهوم يعطي المنتظر الدافع الدائم للعمل على التهيئة والتمهيد لظهور الإمام (عجل)، فحامل هذا الفكر إنسان منتظر فاعل في مجتمعه عارف بوظائفه وواجباته مؤد لحقوق الإمام يعيش الأمل دائما ً متيقن من الهدف الذي يحمله.
من هم المنتظرون ؟
صفات المنتظر ليست صفات فردية تخص الفرد وحده، بل ينبغي أن ينطلق الفرد منها في بادئ الأمر كي تستوعب كافة أطياف المجتمع الذي يعيشه وتتفاعل به الأمة حتى تعم فائدتها. فلابد أن تتجسد هذه الصفات في المجتمع ولا تنحصر في الفرد ومع تجسدها سوف يقترب الفرج وينكشف الضر بإذن الله. ومن هذه الصفات:
الارتباط بالإمام المنتظر عجل الله فرجه: الارتباط بالحجة ليس مجرد ارتباط بفكرة عقيدية غيبية، بل بإنسان يعيش بيننا يرانا و نراه ويعرفنا ولا نعرفه، يسددنا ويوجهنا حيث مصلحتنا ومصلحة الأمة فلولا وجود الإمام لساخت الأرض بأهلها فهو أمان أهل الأرض كما النجوم أمان أهل السماء.
وقد وردت بعض الأحاديث أن أعمالنا تعرض عليه فيحزن لسيئها ويفرح لما هو حسن منها لذا علينا أن نطهر أنفسنا ونراقب أعمالنا لنكون بمستوى رضى الله ورضى الحجة عليه السلام. ويقول الإمام الخميني (قده):" علينا أن ننظر في صحيفة أعمالنا قبل أن تصل إلى محضر الله ومحضر صاحب الزمان (عجل) ". كما علينا مراعاة جملة من آداب العلاقة معه والارتباط به عجل الله فرجه.
الصبر: الصبر الملازم للانتظار يستوعب عدة مراحل منها الصبر على غياب القائد الروحي والإمام الثاني عشر الحجة بن الحسن المهدي (عج)، فالمنتظر يعيش حالة اليتم وهذه المعضلة العظمى تتطلب الصبر. فمن موجبات همنا وغمنا الأكيد بُعد الإمام عنا. فالمؤمنون الرساليون لو عاشوا الفقد في كل لحظة من حياتهم وأيقنوا أن كل مأساة على وجه الأرض من هتك عرض أو إراقة دم يعود إلى غيبة الإمام (عج) لكان هذا مدعاة لسموّ أرواحهم وتعففهم عن ارتكاب المعاصي، فعلى الإنسان أن يعي هذا الهاجس – هاجس الفقد ــ ويستشعر بمظلومية إمامه.
وبالنظر إلى الواقع المعاش فهناك معاصي محيطة بالإنسان المؤمن إحاطة كاملة من المغريات المادية والتسويلات الشيطانية المنتشرة على مستوى واسع خصوصا ً في عصرنا الحالي حيث الأقمار الصناعية وحيث الشبكات الدولية مثل الإنترنت والأجهزة الإعلامية، التي مهمتها نقل الفساد إلى العالم. جاء عن الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا) قال: (اصبروا على أداء الفرائض وصابروا على أذية عدوكم ورابطوا إمامكم المنتظر.)
التخلق بالأخلاق الحسنة:إنّ العقيدة بالإمام المهدي(عج) يجب أن تخلق تطوّرا في البرنامج اليومي لحياة الإنسان الرسالي، فيكون إحساسه بقضية الإمام المهدي(عج) عالي المستوى في الفكر والممارسة من خلال تربية النفس وإعدادها عقائديا وفكريا وسلوكيا من أهمها مثلا الصفة الأولى التقوى فالاعتقاد بوجود الإمام المهدي (عج) وبيعته وزيارته وتجديد البيعة له، كل ذلك لا يجدي نفعاً إن لم يكن المنتظر متقيا. وقواعد البناء الإنساني إنما تنهض على التقوى والاستقامة وكما جاء في الآية الكريمة (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) (سورة الأعراف / 96).
الصفة الثانية الصدق مع النفس فالقرآن الكريم امتدح الصادقين وعلى رأسهم الأنبياء. إن الوفي والصادق وفي لمولاه في الشدة والرخاء، ومن أراد معرفة مستوى وفائه فلينظر إلى التزاماته هل تتغير لحظة الضعف أو الشهوة أو الخوف.
الصفة الثالثة التفقه وهو أن يرتقي بالنفس من جهة المعرفة الدينية إلى مستوى الفقه العلمي و العملي والالتزام بالأحكام المقررة في الشريعة الإسلامية، لأن العامل من غير معرفة لا قيمة لما يقوم به من أعمال عبادية إذا كانت تلك العبادات يعتريها النقصان والخللالصفة الرابعة البصيرة بدراسة العقائد بشكل كاف حتى لا تتزلزل عقائده ولا يقع في البلاء.فالبصيرة هي التي تنقذ الإنسان من فتن الزمان وتقيه خدع المتظاهرين بالإسلام, ومن أهل البصيرة الفضل العباس حيث قال عنه الإمام زين العابدين:" كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة صلب الإيمان ".
وظيفة المنتظرين
الانتظار بالمعنى الصحيح لا يعني الاسترخاء، بل يعني القيام وتهيئة الظروف فكرياً وعمليا ً لخروج الحجة عجل الله فرجه، حتى إذا ما خرج صاحب الأمر نكون مهيأين لتأدية هذا الدور بين يديه (ع). كما على المنتظر أن يعي واجباته وأن يؤدي وظائفه على الوجه المطلوب حتى يحظى برضا إمام زمانه، ومن الوظائف التي تجب على المنتظر في زمن الغيبة:
معرفة الإمام: ورد في الدعاء:" اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك،اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك،اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني"
لاشك أن معرفة الإمام من الواجبات الملقاة على عاتق جميع المسلمين، ويتضح لنا من خلال الدعاء المذكور ارتباطها الوثيق بمعرفة الله سبحانه وتعالى، بل إنها الأساس لمعرفة الله)بنا عرف الله، بنا عبد الله، لولانا ما عرف الله) فالإمام هو حلقة الوصل بين الخالق والمخلوق ومهمته ربط قلوب الناس بالله وإعانتهم بإيصالهم إلى المقامات العالية واللقاء، فطريق الهداية للحق والثبات على الصراط المستقيم لا يتم إلا بمعرفة المعصوم واقتفاء أثره، والسير على خطاه والثبات على ولايته.
فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (إنما يعرف الله عز وجل ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منا أهل البيت، ومن لا يعرف الله عز وجل ولا يعرف الإمام منا أهل البيت فإنما يعرف ويعبد غير الله هكذا والله ضلالاً) .
كما أنّ الجهل بمعرفة الإمام سلام الله عليه يؤدي بصاحبه إلى الضلال والابتعاد عن الصراط المستقيم، وبالتالي كلما توغّل فيه ابتعد أكثر عن الهدف، إلى أن ينتهي إلى نحو ما كان عليه أهل الجاهلية من الشرك.
انتظار الفرج: انتظار الفرج يعني انتظار الدولة الإسلامية المباركة بقيادة وليّ الله الأعظم (عج) وكما ورد في الزيارة (وعليك إلا متّكلا ولظهورك إلا متوقعا ومنتظرا ولجهادي بين يديك إلا مرتقبا).
وانتظار الفرج يخالف تماما مفهوم تمنّي الفرج فالزارع مثلا يحرث الأرض ويرعاها ثم يبذر البذور ويسقيها ثم ينتظر المحصول ونوعية هذا المحصول يتناسب طرديا مع مقدار الجهد الذي بذله الزارع. وكذلك الإنسان الرسالي بتورعه عن محارم الله وانتهاجه لسيرة نبي الرحمة وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين يكون قد هيّأ التربة الصالحة لمنقذ البشرية (الحجة عليه السلام) ليقيم دولته المباركة.
إذاً انتظار الفرج يتطلب المساهمة في إيجاد شرائط الظهور، والعمل لأجل خروج الإمام بالتمهيد لذلك قدر الاستطاعة كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من الأعمال الصالحة.
ـ طاعة وكلاء الإمام: بعد وفاة النبي محمد (ص) قام بأعباء قيادة الأمة الأئمة الإثني عشر الذين نص عليهم التشريع الإلهي، فقد كان الناس يأخذون أحكامهم الشرعية من المعصوم مباشرة منذ عهد الرسول وحتى عصر الإمام الحادي عشر صلوات الله عليهم أجمعين، أما إمامنا الثاني عشر وبسبب الغيبة لم يمارس مسؤولياته السياسية، وعلى ذلك فإن مسؤولية القيادة تؤول إلى مفكري الأمة وعلماء التشريع الإسلامي من المجتهدين لتتولى مسؤولياتها في تبيان الصيغ الشرعية لكل متطلبات الأمة.
وقد وردت أحاديث كثيرة تمتدح العلماء وتبين فضلهم " العلماء ورثة الأنبياء " و " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل ". وقد وضح الإمام (عجل) دورهم وضرورة الرجوع إليهم في رسالته للشيعة زمن الغيبة الكبرى " أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله ". لذا علينا أن نرجع إلى العلماء الذين يملكون علم الإسلام وتقواه، والذين يخلصون لله ورسوله.
-الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء: ورد عن الإمام الحجة (ع) (وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فأن ّذلك فرجكم) . ومن البديهي أن نعلم انّه ليس المطلوب منّا الدعاء لفرج الإمام فقط لفظا وطلبا للثواب وإنما الدعاء والاستعداد بنفس الوقت لنصرة الإمام، والقيمة الكبرى أن يتذكر الإنسان من تلقاء نفسه محنة الإمام (عج)، ويكثر من الدعاء له بالفرج.
نشر ثقافة الانتظار: إن ثقافة الانتظار تتضمن العمل على التهيئة والإعداد للإمام الحجة (عج) في الإصلاح والتغيير وعلى صعيدين:
أولا- على الصعيد الفردي.
ثانيا- على الصعيد الجماهيري.
أما الثقافة الفردية فتشمل بناء الإنسان فكريا لتحقيق الثبات على الولاية والتمسك بالعقيدة المهدوية، والعمل على تهيئة الظروف والأرضية للظهور من خلال تربية النفوس.
وأما على الصعيد الجماهيري فثقافة الانتظار تعني مخاطبة المساحات العريضة من البشر وذلك من خلال تربية المجتمع، فالانتظار يعني الاستعداد التام والشامل للأفراد والمجتمعات، وعلى مختلف المستويات البنيوية والسياسية والعسكرية والعلمية، والتي تشمل بناء العناصر الإنسانية المستعدة لتحمّل المسؤولية تجاه الإمام ودولته، والاهتمام بأعمال الرعاية والبناء الاجتماعي والتربوي، والعمل على إصلاح المجتمع وبناءه وتماسكه وتآلفه وإحياء روح الجماعة في مختلف المجالات، والأهم من ذلك عدم الذوبان في المحيط الفاسد ومواجهة كل أشكال الظلم.
عوائق و إشكاليات التمهيد
بعد أن اتضح معنى الانتظار، وأصبح المؤمن يلم بما يتسم به المنتظِر من صفات وما عليه من حقوق لإمامه المنتظر وفهم طبيعة وظائفه المكلف بها في عصر الغيبة أصبح مستعدا للقيام بواجبه في عملية التمهيد، إلا أنه وبمقتضى ما يتلازم مع نشوء الحركات الإصلاحية، يواجه الممهدون الكثير من المشاكل التي تسبب لهم عوائق تعرقل مسيرتهم التمهيدية.
إن غيبة صاحب الأمر عليه السلام من الأمور المسلم بها عقيديا لدى من يؤمن به وينتظر يوم ظهوره الموعود، ومن المعلوم أن السبب الرئيسي في تأخر ظهور الحجة هو عدم السعي الحثيث للتمهيد لظهوره المبارك. وقد أدى هذا إلى ظهور بعض الإشكاليات التي اعترضت أذهان البعض بسبب التشكيكات المثارة حول خروجه عليه السلام، بل وحول قضيته بأكملها، وتتمثل في جهتين:
ـ العوائق الداخلية: تعددت الشبهات التي أثيرت ضد المهدوية وتعددت أغراضها، فبعضها كان بقصد سلب الشرعية من القضية وإضفاء الصيغة المذهبية عليها، وبعضها الآخر كان بسبب التراخي لدى الفئات المؤمنة بهذه القضية مما تسبب باسترخاء البعض منهم وتخليه عن دوره كممهد، ونلخصها في فئتين:
فئة المعطلين وهم الأشخاص الذين تخلو عن دورهم المفروض في التمهيد لقيام دولة الحق، ظنا منهم أن القسط والعدل لا يمكن أن يتحقق إلا بخروج القائم عجل الله فرجه، فلتترك الأمور كما هي.
فئة المشككين بالمهدي وحقيقة وجوده وبغيبته بل وحتى في مولده عليه السلام، ومن الشبهات التي أثيرت حول القضية المهدوية هو التشكيك في أصل القضية بحقيقة المهدي والروايات الواردة عن الرسول في المهدي، وبأن قضيته مختلقة من فكر الشيعة وقد اكتسبوها من الفكر اليهودي والنصارى ولا أساس لها في الدين. وكذلك التشكيك في بعض فروع القضية مثل مولد الحجة، وغيبته وطول عمره. وتناسى المشككين في أصل القضية المهدوية أصالة فكرتها في الدين الإسلامي وقد امتلئت الكتب الدينية سواء الشيعية أو من الفرق الأخرى بالروايات المتواترة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في المهدي (عج)
حتى صار الإيمان بالمهدي جزءا لا يتجزأ من عقيدة الفرد المسلم، ولا يمكنهم الحكم بأن هذه القضية شيعية أبدا على الرغم من أنها أصل من أصول المذهب الشيعي وذلك لاتفاق جميع المذاهب على أصالة الفكرة والإيمان بالمهدي، والقول بأنها فكرة مختلقة لا يتناسب مع ورودها في الروايات أبدا وأما كونها فكرة مشتركة مع الأديان السماوية فلا يمكن إنكاره ومجرد الاشتراك لا يستدعي التشكيك أو التضعيف بل يؤصل الفكرة أكثر لاشتراك الأديان بها.
العوائق الخارجية:وتحدد في جهتين:عاشت الفئات الحاكمة على طول التاريخ هاجسا مخيفا من كل الحركات الإصلاحية والتي تمثل خطا مضادا لتلك الحكومات وجوبهت بالقمع والتضييق، وقد عانى الممهدون من ذلك التضييق الكثير بسبب ما حملوه من فكر واعي يتحلى بالقيم الإسلامية ويسعى دوما للتغيير نحو الأفضل والأحسن ويبحث عن العدالة ويؤسس لها من خلال منشأ مبدأ الانتظار الذي يهدف للتمهيد للمصلح الموعود الذي يملئ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، ومع ما تمثلته تلك الدول من فساد وظلم واضهاد للمستضعفين فسعوا إلى تغييب دور الشيعة باعتبارهم ورثة حقيقيين لفكرة التمهيد للإمام المهدي عليه السلام، فضيقوا عليهم ثقافيا واجتماعيا وسياسيا.
إدعاء المهدوية من قبل بعض الأشخاص، فقد استغل هؤلاء بعض النفوس الضعيفة والتي لا تمتلك وعيا ثقافيا ولا دينيا ولا تمتلك ثقافة الانتظار مستغلين جهلهم وإحساس بعضهم بالفقر وذلك بضخ الأموال وشراء النفوس الضعيفة من أجل حرفها عن مسارها الطبيعي. وخاطبوهم بأساليب جذابة واعتمدوا في خطابهم المبالغة بحب آل البيت عليهم السلام، وقاموا بعزلهم عن العلماء وأوجدوا روح البغضاء والكراهية لهم.
وقد كان لهؤلاء المدعين أسبابا لانحراف أفكارهم وهي متعددة، فمنها ماهو مادي ومنها ما هو نفسي ومنها ما هو سياسي، وكان لإختراق الأجهزة المختلفة لصفوف هؤلاء دورا كبيرا لإشاعة الخلاف والشقاق بين المسلمين وقصدهم أولا إحراج المذهب الشيعي وإيجاد المواقف الضاغطة عليه، كما أن بعض الحكومات الداخلية نشطت الكثير من هذه المآرب بهدف إشغال الناس، والتخلص من المخالفين لهم، وتبريرا لفشلهم.ولا يمكن محاربة هؤلاء إلا عن طريق الوعي بحقيقة الانتظار وفهم القضية المهدوية وفهم كيفية الانتظار، والعلم بجميع الحركات الإنحرافية على مر التاريخ وعدم الإنخداع بالمواقف المشبوهة لدى البعض.
والأهم من كل ذلك لابد من العلم بأصالة المذهب الشيعي وأن له جذور ومنهج رسمه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والعترة الطاهرة عليهم السلام، لذا لابد من الإلتفاف حول علماء المذهب والأخذ منهم باعتبارهم حملة الرسالة وورثة الأنبياء
دور ولاية الفقيه في عملية التمهيد
لاشك أن الفقهاء يحتلون مكانة مرموقة في الإسلام وهذا واضح لمن يرجع إلى القرآن الكريم:" فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " (التوبة / 122) وتشير الآية إلى حلقة مهمة من حلقات النظام الديني، وهذه الحلقة هي دور الفقهاء كواسطة بين المعصوم وقاعدة المؤمنين، فهم يقومون بالدور النيابي عن المعصوم لنشر معارفه في مختلف القوميات والبلدان، كما أن التعرف على الدين وشرايعه لايتم إلا بقيام فئة من الأمة تأخذ على عاتقها اكتساب العلوم الدينية والتفقه والفهم للكتاب العزيز والسنة المطهرة حتى بلوغ مرحلة الفقاهة ليقوموا بعد ذلك بإنذار الناس بالحلال والحرام والفرائض والسنن وبالرجوع إلى روايات أهل البيت (ع) نجد تعدد لأدوار العلماء في الأمة: وقد ورد عن أمير المؤمنين (ع): «العلماء هم الأدلاء على الله» .
هم حراس الإسلام، قال رسول الله:" إن مثل العلماء كمثل النجوم في السماء يهتدي بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة " . ودورهم هذا يتأكد في زمن الغيبة ففي الرواية عن الإمام الهادي (ع):" لولا من يبقى بعد غيبة قائمنا عليه السلام من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه، والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله " .
ـ أنهم يدافعون عن الدين سواء على المستوى التشريعي أو العقائدي أو السياسي وذلك عن طريق البراهين والحجج.
الولي الفقيه
ولاية الفقيه تقوم في ركنها الأساس على قاعدة أن الإسلام لا تنفصل فيه السياسة وإدارة المجتمع عن جوهر الدين والإيمان والعمل للآخرة ولذا اقتضى أن يكون على رأس الدولة الإسلامية فقيه عادل مدبر، يضمن وجوده تحقيق الأهداف المنشودة. ومن مرتكزات ولاية الفقيه هو إقامة الدولة الإسلامية العالمية، والذي لا يمكن أن يتحقق إلا بخروج الإمام الغائب (ع)، فنظرية ولاية الفقيه ولدت كنظام بديل واضطراري ألجأت إليه الظروف ودعت إليه الضرورة بغيبة الإمام المعصوم (ع) منعا من حصول الفراغ. ولم يقتصر دور الفقيه في الأمة على الإفتاء فقط، فقد تولى الفقيه ثلاث مناصب هامة:
1 ـ دور الإفتاء، ففتواه حجة على مقلديه.
2 ـ دور القضاء، أي أن قضائه نافذ على الناس.
3 ـ دور الولاية، وهي ولاية الفقيه وحاكمية الفقيه الجامع للشرائط في عصر غيبة الإمام الحجة (ع) حيث ينوب الولي الفقيه عن الإمام المنتظر (ع) في قيادة الأمة وإقامة حكم الله على الأرض. وهو قائد الحركة الجماعية والموحدة والتي تحمل توقا إلى الإمام المهدي (ع) وهو الذي يقوم برعاية الجماعات والأفراد والأجهزة والمؤسسات التي تعمل على التهيؤ لاستقبال واستقدام الإمام من غيبته بما يحتاج إليه من أفراد وأجهزة ومؤسسات ذو كفاءة ومهارات وجهوزية للشروع في الحركة الإصلاحية للعالم تحت لواء الإمام (ع)، ثم بناء وإدارة دولة العدل الإلهي على كل الأرض. وخير مثال للولي الفقيه الدور الذي يمثله السيد القائد الخامنئي دام ظله في تصديه لقيادة الأمة.
ومن أدوار الفقيه هو حفظ الشريعة وله ثلاث مراتب:
1ـ الحفظ التشريعي فالفقيه مسؤول عن رقابة الفكر طوال الوقت حتى يقوم بمسؤوليته في حفظ الشريعة من الناحية التشريعية.
2ـ الحفظ التعليمي إن الهدف من تأسيس الحوزات هو الشريعة لأن الحوزات تقوم بترويج العلوم الشرعية عن طريق الدراسة والتدقيق، وهذا حفظ للفكر الأمامي حفظا تعليميا.
3ـ الحفظ التطبيقي وهو الحفظ العملي بأن يفتي الفقيه للناس ما يحفظ دينهم ويحميهم من الوقوع في الحرام.
دور الحوزات والجامعات في عملية التمهيد
تعتبر الحوزات العلمية صمام الأمان للمجتمع المؤمن في زمن الغيبة، ولها دور بارز في عملية التمهيد للظهور المقدس، ويمكن تلخيص هذا الدور بعدة نقاط:
1ـ زرع الإيمان بفكرة المهدي عجل الله فرجه في قلوب المؤمنين.
2ـ بث البرامج العلمية المناسبة لتهيئة الأرضية بالصالحين، وذلك بنشر الوعي الفقهي والعقائدي بين المجتمع حيث أن بقاء شريعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرهون بتطبيق التكاليف وأدائها من قبل المكلفين، وهذا من أهم ما يمهد للظهور.
3ـ حفظ الشريعة هو الدور البارز للحوزة من خلال ما كتب من أحاديث أهل البيت عليهم السلام وبحوث علمائنا.
3ـ تأسيس المراكز المختصة بقضية الإمام المهدي عليه السلام.
4ـ رفد الفكر الثقافي والخطابي بالأفكار المهمة الممهدة للظهور.
5ـ الوقوف ضد مدعي المهدوية زورا وكشف ألاعيبهم والرد على الشبهات الواردة حولها.
دور الجامعات
دورها لا يقل أهمية عن دور الحوزات في الإعداد لهذه الحركة التمهيدية وذلك بخلق الإبداع العلمي الأكاديمي الذي يرتقي بمستوى الطلاب في مشوارهم العلمي فالحركة الإصلاحية التي يأتي بها الإمام المهدي عليه السلام تعتمد في الأساس على الإنسان وإرادته، فهذه الحركة تحتاج إلى نماذج علمية التي تمتلك أدوات ووسائل العلم الحديث حيث حركة التمهيد والدولة الممهدة وقيام دولة المهدي عليه السلام بحاجة إلى هذا الرافد من الجامعات التي تعد النماذج والكوادر العلمية الصالحة.
الميزات الثقافية للمجتمع والدولة الممهدة
إن عملية الانتظار لا تتوقف على الأفراد فحسب، فهي تحتاج إلى أدوات متعددة وعمل جماعي وأجهزة منسقة، ومن مرتكزاتها الوحدة بين أفراد المجتمع والتعاون بين أجهزته المتناسقة مع بعضها والتي تنطوي تحت نظام واحد يتمثل في قيادة حكيمة عالمة التي تدير الدولة الممهدة التي يحكمها التشريع الإسلامي.
إن جماعة الانتظار تطمح على المستوى الجماعي تحقيق برامجها على ضوء الآمال المعقودة على ترقب الدولة المهدوية.فإن نجاحها يكمن في تفاؤلها الطموح في قيام دولة الحق والعدل، وتصوغ أعمالها على أساس ذلك. فهي في حيوية دائمة غير مشلولة نتيجة الإحباطات السياسية المحيطة بها، فهذا المجتمع المنتظر يحمل أفراده عدة صفات منها:
الإيمان: فكرة المهدي هي فكرة اشتركت بها جميع الأديان، وتعددت المذاهب المختلفة التي آمنت بخروج المخلص، لكن انفردت بخصائصها وتفاصيلها الثلة المؤمنة التابعة لمذهب آل البيت عليهم السلام، لذا فإن أهم ما يميز مجتمع التمهيد هو الإيمان بحقيقة وجود صاحب الزمان وهذا الإيمان باعث على العمل وإصلاح النفس لدى أفراد المجتمع الإيماني الذي يغلب عليه طابع العبادة والتقوى والبصيرة والعلم.
الوعي: فهو مجتمع يعيش مسؤولياته ويوظف قدراته وطاقاته في خدمة القضية التي يؤمن بها، ويعد أفراده ويجهز مؤسساته للنهوض بالدولة التي تتطلع لنصرة صاحب الأمر.
ولديه وعي وشعور حقيقي بأهمية الهدف الذي يسعى إليه، والأطروحة التي يسعى لتطبيقها ويضحي من أجلها.
العلم: ويمتلك الوسائل والآليات العلمية التي تؤسس لبناء الحضارة الإسلامية والمجتمع المدني القائم على العلم، ويعد الأفراد إعدادا علميا يتناسب مع النهضة الحضارية التي يأتي بها المخلص الموعود.
المعرفة: وتختلف عن العلم وتعني المعرفة الإيمانية التي تتمحور حول فهم ومعرفة المفاهيم الإسلامية وتأصيلها في المجتمع الإسلامي على مستوى النظرية والتطبيق، فلا معرفة بلا عمل ولا عمل بلا معرفة كما ورد في الروايات، عن الإمام الصادق عليه السلام:" لا يقبل الله عملا إلا بمعرفة،ولا معرفة ألا بعمل،فمن عرف دلته المعرفة على العمل، ومن لم يعمل فلا معرفة له، إن الإيمان بعضه من بعض " .
الإرادة: وتنبع قوة إرادته من الأمل بالدولة المباركة التي تتحقق من خلالها آمال الأفراد والجماعات، فعندما يتعثر هذا المجتمع فأنه يعاود النهوض ويستكمل الطريق لأنه ليس لديه أية مخاوف من المستقبل.
التوجه العبادي: لديه الحرص على أداء الطاعات والعبادات واجتناب الذنوب والمعاصي التي نهى عنها الشارع المقدس، بسبب صعوبة مراعاتها في ظل ازدياد الفتن وكثرة الملحدين والمشككين والمتصدين لإضلال المسلمين. فالعبادة بجميع مفرداتها خير وسيلة لتركيز صفة الانتظار في النفس الإنسانية، ومن أهم العبادات والتي تشكل عاملا مهما في بناء الشخصية المنتظرة ذكر الإمام عليه السلام والدعاء له.
الاستقامة والصلاح: الإهتمام باكتساب الصفات الحميدة والأخلاق الكريمة من أهم ما يميز أفراد هذا المجتمع،عن الصادق عليه السلام أنه قال:(من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم عليه السلام بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه) . فإذا استطاع الإنسان أن يوفر لنفسه نسبة من الطهارة ودرجة من القرب إلى الله عز وجل يكون قد أعد نفسه للقاء الحجة المنتظر. مع هذه الميزات التي تتمتع بها جماعة الانتظار، تشكلت الأرضية المناسبة للتمهيد لكنها تكون في مقام القوة وحتى تتحول إلى الفعل تحتاج إلى ظل يرعاها ويوفر لها المقومات والآليات حتى تكمل المسيرة الساعية للتمهيد فتنعم تحت رعاية الدولة العالمية، وهذا الظل هو الدولة التي تحمل راية الإسلام وتؤمن بقضية الانتظار وتسعى للتمهيد بإعداد المجتمع والأفراد وتوفر لهم الإمكانات والأدوات اللازمة للظهور.
ولابد من هذا التفاعل بين المجتمع والدولة الممهدة والذي يتطلب انسجاما تاما بين كافة أطياف المجتمع وحتى يحصل هذا الإنسجام لابد أن تتوفر في الدولة شروطا يذكرها المعصوم في دعاء الإفتتاح: " اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله وتجعلنا من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة "
مميزات الدولة الممهدة
تتمتع هذه الدولة بالعدالة والمثل الإنسانية وكل الخير، في حين ينتشر الظلم ويتسلط في كل مكان وفي كل حكومة وتحت كل راية ماعدا حكومة الإسلام وراية الإسلام ودولة الإسلام والتي تشدنا إلى القيادة الإسلامية المتمثلة في شخص القائد المنتظر. وقد شهد العصر الحديث ظهور الدولة الممهدة بقيادة الإمام الخميني قدس سره، ولازالت تواصل مسيرة التمهيد بقيادة السيد القائد الخامنئي دام ظله الذي انتقل بهذه الدولة الفتية إلى التطور في جميع المجالات العلمية والإقتصادية والسياسية، والتي تسعى إلى تطبيق الإسلام وإقامة العدالة الإجتماعية في المجتمع. وما قيام الدولة الإسلامية الأولى بقيادة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلا لأجل العدل، وكذلك عندما تسلم أمير المؤمنين عليه السلام قيادة الدولة الإسلامية ركز برنامج دولته على مسألة إقامة العدل، وكل ذلك هو حلقة متصلة في عملية التمهيد لدولة الإمام المهدي (عجل) الذي عنوانها البارز هو إقامة العدل في الأرض كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" يملئها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا"، ومن أدوارها:
تحقق عزة الإسلام والمسلمين: فجماعة الانتظار ومن خلال ارتباطها بقيادتها المعصومة التي ستحقق آمالها ببسط العدل والسلام بقيام دولتها الموعودة تستشعر الأمل بتحقيق طموحاتها، فهي لا تجد الحاجة من الركون إلى الغير فهي في غنى دائم عن الآخرين، وهذا الشعور يعزز لدى أفرادها العزة والكرامة ورفض الذل والهوان فالانتظار لديهم يدعو إلى الأمل وتحقيق النصر والنجاح على كل المستويات.وهذا سبب استقلالية جماعة الانتظار وعدم لجوئها إلى الغير.
قيمومة الدولة الممهدة على إزاحة الباطل وأهله: تتميز جماعة الانتظار بحالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذه الحالة تساعد على تمتين أواصر العلاقة بين أعضائها، وتخلق لديهم حالة الشعور بالمسؤولية دائما تجاه ذات الفرد وتجاه المجتمع. فقابلية أفراد المجتمع الممهد على متابعة المنكر المرتكب من قبل الأفراد والجماعات تبعث على ملاحقة حالات الخرق للمجتمع الملتزم وتقف بوجه الخطر الناشئ من هذا الخرق المرتكب، والمحافظة على حدود الشريعة بالتذكير الدائم والرقابة المستمرة , فإذا تمت هذه الحالات واستطاع المجتمع المداومة عليها ورعاية حقوقها أمكن لهذا المجتمع من بناء شخصيته الحضارية المتميزة بالأمن والسلام، وذلك لتطبيقها لهذه الفريضة المهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
تؤهل الدعاة إلى سبيل الله: كيان الإسلام قائم على الدعوة بمختلف أشكالها، ومسؤولية المنتظر في عصر الغيبة الدعوة إلى الحق وهي تتطلب من المنتظرين توطين النفس على العمل والسعي والصبر، ولاشك أن الإمام حين خروجه سيحتاج إلى الأطباء والمهندسين، كما سيحتاج إلى الدعاة والمبلغين في مسيرته الإصلاحية العالمية، فمسؤولية الدولة الممهدة أن تعد الدعاة وتخلق لديهم الإستعداد للإنخراط تحت راية الهدى التي يحملها صاحب الأمر حين ظهوره.
تصنع القادة الذين يقودون الحركة التمهيدية: برعايتها لموارد علوم أهل البيت وتوفيرها كافة الإمكانات اللازمة للدعوة إلى الإسلام وتعظيمها لدور العلماء والفقهاء والتفافها حول الولي الفقيه الذي يمثل دور النيابة عن الإمام، واعتباره المرجعية التي يلجئون إليها في أحلك الظروف.
تحقق كرامة الإنسان في الدنيا والآخرة: إذا كانت الدولة تتمتع بالقوة والمنعة وتوفر لأفراد مجتمعها جميع احتياجاته فلا يتطلع إلى الغير وبما تحققه من انجازات ترفع من شأنه اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وعلميا وثقافيا، وبما توفره من وسائل تكفي لمتطلباته الروحية والعبادية، فأنه سيضمن تحقق الكرامة في الدارين.
الخلاصة
سعينا في هذا البحث التركيز على ثلاثة عناصر هامة وهي:(الفكرة ـ والعملية ـ والأدوات). فالفكرة هي الرسالة التي تحمل المفاهيم العامة والمبادئ التي ترتكز عليها الأطروحة المهدوية وهي تحتاج إلى إيمان وترسيخ في النفوس، وإلى تفعيل على أرض الواقع من خلال ـ العملية ـ وهي التمهيد لظهور الحجة والسعي الدائم ببذل الجهد للإصلاح والتغيير في أرض الواقع من أجل التوطئة لظهوره المقدس، وهذه العملية تحتاج إلى ـ أدوات ـ فاعلة ومحركة لها على أرض الواقع وهم المنتظرون الذين يؤمنون بالفكرة ـ الرسالة ـ في قلوبهم ويفعلونها على أرض الواقع من خلال العملية ـ التمهيد ـ لظهور الحجة ويتفاعلون معا كأفراد ومجتمعات ودول في حمل هذه الرسالة وتفعيلها.