دور مسألة الانتظار في تشكيل النظام السياسي
للجمهورية الإسلامية
للجمهورية الإسلامية
الدكتور جواد جعفري
الخلاصةيُسعى في هذه المقالة، بمحورية كلام حضرة الإمام الخميني القائد و الباني العظيم للثورة الإسلامية الايرانية، إلى بيان دور مسألة الانتظار في تشكيل النظام السياسي للجمهورية الإسلامية. وبالالتفات إلى بياناته يتضح لنا المشهد والرؤية، والنضال المثالي لاستتباب النظام السياسي الإسلامي في ايران، وهو في الحقيقة تمهيد لظهور الإمام الغائب حضرة الحجة بن الحسن العسكري "عجل الله تعالى فرجه الشريف" ويعتبره الإمام الصاحب الأصلي لهذه الثورة، ويعتبر ان هذا النظام أمانة ينبغي تسليمها إلى صاحبها الأصلي. وقد طلب الإمام الخميني من المسؤولين والناس أن يعتبروا أنفسهم في محضر إمام العصر(عج)" وان تكون تمام تخطيطات وإجراءات الحكومة والناس في خط تحقق دولة الإسلام العالمية.
كلمات مفتاحية: الثورة الإسلامية الإيرانية، التمهيد للظهور، الإمام المهدي(عج)، الإمام الخميني(ره).
المقدمة
بلا شك إن الثورة الإيرانية المجيدة هي حدث عظيم في العالم المعاصر، تمكنت من تغيير الكثير من الاعتقادات. فالثورة الإسلامية الإيرانية كانت ثورة عقائدية اكثر من كونها ثورة سياسية. إحدى علائم صدق هذا الادعاء هي التأثيرات العميقة للاعتقادات الدينية في هذا النهوض العظيم. ومن هذا الاعتقادات: الاعتقاد بالمهدوية والانتظار التي لها دور لا مثيل له. لمعرفة دور الانتظار في تشكل النظام المقدس للجمهورية الإسلامية يمكننا أن نطرح سؤال مهم . ما هو المشهد او الرؤية التي رسمها إمام الثورة الإسلامية الإيرانية الراحل الخميني الكبير لنفسه، وما هو المبدأ الذي اقره لذلك؟ الإجابة على هذا السؤال تظهر أن " مُثل الثورة الإسلامية" ليست منحصرة في تأسيس نظام سياسي فحسب.
تجدر الإشارة إلى أن عقيدة المهدوية، نظرة نحو المستقبل وهي في الحقيقة، تمتلك نهج تطلعي. في هذه العقيدة، العالم في الماضي والحال والمستقبل حركة هادفة نحو الكمال، ويرثه في النهاية الصالحون، وان إمام العصر(عج) الذي سيظهر بعد سنوات غيبته ليملا العالم قسطا وعدلا.
الثورة الإسلامية الإيرانية بسبب بنيانها التاريخي والديني وقيادة الإمام الخميني(ره) لها رسالة تاريخية،ولا يمكن التعمق فيها من خلال التحليل الظاهري وملاحظة اوجه القصور والضعف للحكومات البائدة فقط. وان كان في كثير من الموارد الأنشطة المعادية للدين والمشكلات الاقتصادية والسياسية والثقافية لحكومة البهلوي قد كانت مسرعة لانشطة المناضلين الثوريين ومقوية لحافز ازالت ومحو حكومة الطاغوت تلك، ولكن العناية برؤية مؤسس الثورة الإسلامية الذي كان يمتلك فكر جامع ورؤية إلهية يمكننا أن نعرض نتائج أدق واهم من تلك السابقة.
في بعض التحاليل حول علل ومحفزات الثورة الإسلامية نجد أن بعض المحققين يخوضون بكلام الإمام(ره) بشكل جزئي من دون تحديد الأولويات. فالعوامل المحفزة لظهور الثورة الإسلامية التي ذكرت في تلك التحليلات من وجهة نظر الإمام "رضوان الله عليه" والتي استندت إلى تصريحاته الواضحة هي أوضاع ومشاكل ما قبل الثورة وضعف النظام الطاغوتي، بعبارة أخرى، بهذا البيان وهو بيان سلبي، إن(ره) قد أحصى بعض خصائص المجتمع المثالي الخالي من هكذا مشاكل وضعف والممهد للحياة الطيبة للإنسان. وعليه فمن الطبيعي انه لا يمكن اعتبار رفع هذه الموانع هو الهدف الغائي والأفق المتعالي للثورة الإسلامية فقط، لانه ما دام لم يطرح بديل إيجابي فان الكلام عن الغاية والاستشراف آمر لا معنى له.
السؤال هنا: ما هي المعنوية المضافة والهدف الغائي لحاكمية الإسلام؟ وبكلام أخر، ما هي وجهتنا بعد حاكمية الإسلام؟ ما هو هدف الإمام(ره) من طرح أن حاكمية الإسلام المحمدي الأصيل هو أهم محفزات الثورة؟ الإجابة على هذه الأسئلة يمكن أن تقودنا إلى ما ترمي إليه الثورة الإسلامية الإيرانية. في الواقع، ستكون حاكمية الإسلام والقيم الإسلامية نوع من رسالة ومهام الثورة، وينبغي بالتدبر اكثر في أراء وأفكار الإمام الخميني(ره) أن نصل إلى تلك الغاية الأصلية التي هي بحكم رؤية الثورة الإسلامية.
نظرية الإمام(ره)" بالنسبة إلى رؤية الثورة الإسلامية
بعد انتصار الثورة الإسلامية كان الإمام(ره)" يذكر أن أسباب القيام والهدف من الثورة الإسلامية، هو الاضطرابات والنواقص ومشكلات الحكومات البائدة وخاصة حكومة البهلوي، عندها ذكر المحققون والباحثون أن هذه الموارد هي المحفزات الأساسية للقيام.
ولكن يجب أن نعلم أن نظرية ولاية الفقيه هي الباعث الأساسي لحركة الإمام(ره)". الولي الفقيه والذي يعتبر نائب إمام العصر(عج) في حال الغيبة، وظيفته أن يدير المجتمع الإسلامي وفقاً لمبادئ الإسلام المحمدي الأصيل للتمهيد لظهور إمام الزمان(عج)". بعبارة أخرى، رؤية وتطلع الثورة الإسلامية هي تحقق مجتمع العدل المهدوي، فالثورة الإسلامية هي فقط مرحلة عابرة لتحقق المجتمع الموعود وهي في حكم نقطة البداية للحركة نحو الظهور.
الجدير بالذكر أن هذا النوع من كلام الإمام(ره)" الذي يشير أن المشكلات والنواقص الاختلالات لحكومة الطاغوت تحكي عن عزم الحكومة القادمة لإزالة تلك النواقص والاختلالات اعم من الفساد الأخلاقي والمشكلات الاقتصادية والظلم، لا تتناقض مع بيان أن هدف الثورة الإسلامية هو التمهيد لظهور حضرة إمام الزمان(عج)". ففي المجتمع الموعود يتحقق كل شيء على مبدأ الحق والعدالة بالمعنى الأتم والأكمل.
رأي حضرة الإمام الخميني(ره) هو أن الحكومة أمانة يجب أن نسلمها إلى صاحبها الأصلي، وان نسعى في سبيل حفظها وتقويتها، هناك تعابير كثيرة له(ره) في هذه المقولة مثيرة للاهتمام . فتعبير حضرة الإمام(ره) أن الثورة الإسلامية أمانة صاحبها حضرة الحجة(عج)، تحكي أن(ره) حمل لواء قيام "15 خرداد" في فضاء المهدوية والظهور، لا مقابلها. بلا شك إن قصد الإمام الراحل من طرح الأمانة وصاحب الأمانة في مورد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ليس عرضاً أو أمراً دعائياً أو مجاملة سياسية، بل كان يقصد بالتالي بيان أن الآفاق، استراتيجيات، والتخطيطات الدينية ـ السياسية لهذا النظام واتساقها مع الدولة المهدوية الكريمة.
هنا بعض كلامته(ره) التي تشير بوضوح إلى هذا الأمر:
ـ يحدوني الأمل أن تبقى هذه الروحية الإسلامية والتوحيدية القوية في البلاد ونسلم هذا البلد إلى صاحبه الأصلي إمام الزمان ـ سلام الله عليه ـ إن شاء الله.
ـ أرجو أن تظل هذه البلاد بنفس القوة والالتزام والوعي الذي ثارت به منذ البداية ووصلت به إلى ما وصلت إليه وأن تستمر هذه النهضة والثورة إلى ظهور صاحبها الأصلي إن شاء الله حتى نسلّم إليه هذه الأمانة.
ـ آمل من الله تعالى أن يمنحنا التوفيق كي نتمكّن من تحقيق هذا الهدف الذي هو هدف الأنبياء، ونحن سنوصل هذه القافلة إلى مقصدها إن شاء الله، ونسلّم هذه الأمانة إلى صاحبها.
الكلام الواضح والجلي لحضرة الإمام(ره) حول جعل الثورة الإسلامية في خط ظهور حضرة ولي العصر(عج) بهذا المعنى: الثورة الإسلامية تمهيد لوعي ونهوض عموم الناس وكل مسلمي العالم للحركة نحو تحقق مجتمع الظهور. تأكيده(ره) على أن الثورة الإسلامية، ثورة عالمية وليست منحصرة في ايران بل هي نداء لكل مظلمي العالم.
تصدير الثورة، وهي إحدى أولويات الثورة الإسلامية، تعبير عن نظر الإمام(ره) عن حكومة العدل العالمية،حكومة حضرة ولي العصر(عج)" . حتى انه(ره) ينبه مسئولي الجمهورية الإسلامية أن لا يصرفهم الاهتمام بالمسائل الاقتصادية والرفاهية للناس عن الهدف العالي للثورة:
ليعلم المسؤولون بأنه إذا ما أعاقتهم المسائل الاقتصادية والمادية عن أداء المهام الملقاة على عاتقهم ولو للحظة واحدة، فسيترتب على ذلك خطر عظيم وخيانة كبرى. لذا يجب على حكومة الجمهورية الإسلامية أن تبذل كل ما في وسعها في تلبية احتياجات الشعب على أفضل نحو، غير أن ذلك لا يعني إغفال أهداف الثورة العظيمة الممثلة في إقامة حكومة الإسلام العالمية.
إن الشعب الإيراني العزيز، الذي يمثل بحق الوجه المضيء لتاريخ الإسلام العظيم في عصرنا الحاضر، يجب أن يتحمل الصعاب والمعاناة من أجل الله تعالى كي يتسنى لكبار المسؤولين العمل بواجبهم الرئيسي المتمثل بنشر الإسلام في العالم.
من وجهة نظر الإمام الخميني(ره)، الثورة الإسلامية، أمانة إلهية لتحقق هدف أعلى وهو تشكيل الحكومة العالمية لحضرة ولي العصر(عج). وبالالتفات إلى بياناته(ره) يمكن أن نبين القضايا والبيانات المفتاحية لهذه النظرية وهي كالتالي:
قضية 1. إمام الزمان(عج) الصاحب الأصلي للثورة
حضرة الإمام(ره) يعرف حضرة ولي العصر(عج)" بالصاحب الأصلي لهذه الثورة . الإمام الخميني(ره)" وبوجهة النظر هذه يوضح الطريق المستقبلي للجمهورية الإسلامية وهو التعلق بالبعثة وولاية الإنسان الكامل. القائد الراحل للثورة الإسلامية يوجه تنبيه إلى مسئولي النظام أن لا يوجه أي خلل أو خدش إلى الأحكام الإسلامية في نظام الجمهورية الإسلامية لان في ذلك لن يكون هكذا نظام مقبول من حضرة ولي العصر(عج).
وهنا بعض كلماته(ره) في هذا المجال:
سندكم هو الله تبارك وتعالي وصاحب هذه البلاد هو إمام الزمان سلام الله عليه.
بالتوكل على الله تبارك وتعالى وتسديد صاحب هذا البلد إمام الزمان (سلام الله عليه) حتى تصلوا به إلى النهاية وسوف تصلون.
أرجو أن تظل هذه البلاد بنفس القوة والالتزام والوعي الذي ثارت به منذ البداية ووصلت به إلى ما وصلت إليه وأن تستمر هذه النهضة والثورة إلى ظهور صاحبها الأصلي إن شاء الله حتى نسلّم إليه هذه الأمانة.
نأمل من الله أن يزيد من إيماننا كلنا. وأن يقويكم في هذين القطبين المعنوي والمادي. وأن ينقذ الإسلام، إن شاء الله من شر جميع الأقوياء. وأن يبقى إن شاء الله هذا التحول الموجود في إيران. وأن يستطيع هذا الشعب أن يسلّم هذا البلد إلى إمام الزمان كما ينبغي إن شاء الله.
نرجو أن ينقذنا الله من القيود الشيطانية حتى نتمكن من تأدية هذه الأمانة الالهية وإيصالها إلى المقصد وأن نسلمها إلى صاحب الأمانة المهدي الموعود- أرواحنا لمقدمه الفداء.
آمل من الله تعالى أن يمنحنا التوفيق كي نتمكّن من تحقيق هذا الهدف الذي هو هدف الأنبياء، ونحن سنوصل هذه القافلة إلى مقصدها إن شاء الله، ونسلّم هذه الأمانة إلى صاحبها.
ونرجو أن تستمر حتى النهاية (محاربة الظالمين و...) دون أن يتخللها ضعف أو وهن حتى يتم إن شاء الله تسليم الراية إلى صاحب الأمر.
أطلب من الله تعالى أن يوفق هذا الشعب لتحقيق أهدافه المنشودة ببركة الأئمة الأطهار خاصة الإمام صاحب العصر والزمان "عجل الله فرجه الشريف"؛ لأنّ هذه الدولة دولته.
قضية 2. تاسيس الجمهورية الإسلامية بمثابة مقدمة لا هدف
يعتبر الإمام(ره) ان الثورة الإسلامية مقدمة لحكومة اهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام ويعتبر ذلك نقطة البداية. وقد نبّه(ره) مرارا ان لا ينحرف مسير الثورة زان نتصور ان الثورة الإسلامية قد وصلت تطلعاتها.
لي الامل ان تكون هذه الثورة ثورة عالمية وتكون مقدمة لظهور الإمام بقية الله ارواحنا له الفداء.
ثورة الشعب الإيراني هي نقطة انطلاقة ثورة العالم الإسلامي الكبرى التي يحمل لوائها الإمام الحجة أرواحنا فداه.
... وأن نطبّق الإسلام إن شاء الله- في هذه البلاد كما هو وأن يطبق مسلمو العالم الإسلام في بلادهم وأن يكون العالم عالم الإسلام وأن يزول الظلم والجور والقهر من العالم وأن يكون ذلك تمهيداً لظهور ولي العصر أرواحنا فداه.
ثورة الشعب الإيراني هي نقطة انطلاقة ثورة العالم الإسلامي الكبرى التي يحمل لوائها الإمام الحجة أرواحنا فداه-، إذ نسأل الله تعالى أن يمن على جميع المسلمين وشعوب العالم بأن يجعل ظهوره وفرجه في عصرنا الحاضر.
أرجو أن تكون هذه الثورة شرارة بل نوراً إلهيا يؤدى إلى تحول عظيم في الشعوب المظلومة وأن ينتهى إلى شروق فجر ثورة بقية الله المباركة- أرواحنا لمقدمه الفداء.
يحدوني الأمل ان تحقق هذه الجمهورية الإسلامية هدفها وتستمر حتى ظهور إمام الزمان- سلام الله عليه.
قضية 3. هدف وافق الثورة الإسلامية، تشكيل حكومة اسلامية بقيادة امام الزمان(عج)
استراتيجية البنّاء الكبير للثورة الإسلامية، الاستشراف وبعبارة اصح: يناء المستقبل وهذا الموضوع يعتبر أس موضوعات الإسلام الأصيل . نظر الإمام الخميني(ره) الغائي للثورة الإسلامية، تعبيرعن نكته أن الثورة يمكن أن تصل إلى غايتها النهائية فقط في تشكل الحكومة الإسلامية بإمامة حضرة ولي العصر(عج) حيث أنها تسعى بشكل مستدام في سبيل التمهيد لاستقرار هذه الحكومة في العالم .
إن أساس واهم موضوع في الإسلام الخالص، عرض الهدف. الإمام الراحل(ره) مروج الإسلام الخالص والمشتاق للتمهيد لظهور إمام الزمان(عج) يعتبر أن أفق الإسلام الخالص في التمهيد للحكومة الإسلامية الكبيرة واتصالها بالظهور، ويعتبر طرح هذا الأمر المهم وظيفة الحوزات العلمية، الجامعة، والمؤسسة المقدسة للتعبئة. تكرار هذه المخاوف في كلامات حضرة الإمام(ره) على طول السنوات بعد انتصار الثورة وفي مناسبات مختلفة وعلى وتيرة ثابتة حكاية عن هذا الموضوع:
ينبغي للحوزة العلمية والجامعة وضع الأطر الأصيلة للإسلام المحمدي الأصيل تحت تصرف البسيجيين كافة. كما يجب على بسيجي العالم الإسلامي التفكير بتشكيل الحكومة الإسلامية الكبرى وهو أمر ممكن، لأن البسيج لا يقتصر وجوده على إيران الإسلامية. فلا بد من تشكيل خلايا المقاومة في مختلف أنحاء العالم والتصدي للشرق والغرب. لقد برهنتم خلال الحرب المفروضة بأن الإسلام قادر على فتح العالم بالإدارة الصحيحة والجيدة. وعليه يجب أن تعلموا بأن مهمتكم لم تنتهِ بعد، الثورة الإسلامية العالمية بحاجة إلى تضحياتكم. وان بوسع المسؤولين ومن خلال دعمكم ومساندتكم فقط البرهنة لجميع المتعطشين للحقيقة والصدق، بأنه بالإمكان تحقيق الحياة الكريمة المقرونة بالسلام والحرية، بمعزل عن أميركا والاتحاد السوفيتي إن تواجدكم في ميادين الصراع يؤدي إلى اجتثاث الجذور المعادية للثورة في مختلف المجالات.
سيحافظ الشعب الإيراني البطل إن شاء الله على حماسه وغضبه الثوري المقدس ولن يتوانى عن اضرام النار الحارقة للظلم ضد روسيا المجرمة وأميركا الناهبة للعالم وأذنابهم حتى ترفرف بلطف الله العظيم راية الإسلام المحمدي الأصيل صلى الله عليه وآله وسلم عالياً في أنحاء العالم ويرث المستضعفون والحفاة والصالحون الأرض.
كلّنا ننتظر الفرج، وعلينا أن نُمهِّد لهذا الفرج، فانتظاره انتظار لقدرة الإسلام، ويجب أن نسعى لتتجلّى هذه القدرة في العالم، وتتهيَّأ مقدّمات الظهور.
علينا في مثل هذه الايام، أيام الله، ان ننتبه ونعمل على اعداد أنفسنا لظهور الإمام.
اليوم يوم يجب فيه طرح لباس حب الدنيا عن الجسد، وارتداء درع الجهاد والمقاومة، والسير قُدماً في آفاق طليعة الفجر حتى شروق الشمس وصيانة دماء الشهداء.
من وجهة نظر حضرة الإمام(ره) يجب ان يكون مسير حركة وسعي الناس وتمام المسؤولين نحو تحقق امر الظهور وتسليم الامانة إلى صاحبها الأصلي، بعض المتطلبات التي تطرح في فكره في هذا المجال يمكن بيانها كالتالي:
الف) التمهيد للظهور
بيان الإمام(ره) عن الانتظار بنّاء وصحيح ونظره ان التمهيد للظهور واجب على كل المسلمين وهذا علامة عن رايه بان الثورة الإسلامية ارضية مناسبة لتمهيد الظهور . ويقول حضرته(ره) في هذا المجال:
كلّنا ننتظر الفرج، وعلينا أن نُمهِّد لهذا الفرج، فانتظاره انتظار لقدرة الإسلام، ويجب أن نسعى لتتجلّى هذه القدرة في العالم، وتتهيَّأ مقدّمات الظهور.
كان الإمام الخميني(ره)" يؤكد بصورة دائمة بان التمهيد للظهور وظيفة وواجب عام وبالخصوص كان يطلب من المسؤولين الالتفات إلى هذا الموضوع بصورة خاصة:
الاول. في لقائه مع ائمة الجمعة:
حاولوا ان تدرسوا ما تريدون قوله في خطبكم. آمل ان ينتشر الاسلام على ايديكم كي يكون ذلك مقدمة لظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
الثاني. تنبيه للمسؤولين
وليعلم مسؤولونا بأن ثورتنا غير مؤطرة بحدود ايران، وانما ثورة الشعب الإيراني هي نقطة انطلاقة ثورة العالم الإسلامي الكبرى التي يحمل لوائها الإمام الحجة أرواحنا فداه-، إذ نسأل الله تعالى أن يمن على جميع المسلمين وشعوب العالم بأن يجعل ظهوره وفرجه في عصرنا الحاضر.
الثالث. الاجهزة الحكومية
على جميع الاجهزة التي تمارس مهامها في البلاد ـ وآمل ان يتسع ذلك ليشمل سائر البلدان ـ الاهتمام بهذا المعنى واعداد أنفسهم للقاء الإمام المهدي سلام الله عليه.
ب) تصدير الثورة
بتحليلنا لفكر حضرة الإمام(ره) يمكن أن ندرك هذه المسالة ان(ره) لا يعتبر الثورة الإسلامية مؤطرة في بلد واحد أو عند شعب خاص، فقد كان يعتبرها عالمية، وتاكيده على أن الثورة الإسلامية غير مؤطرة بايران وحتى بالدول الإسلامية إشارة على أن تحقق حاكمية الإسلام العالمية بقيادة إمام الزمان(عج) مستلزمة للتمهيد العالمي وينبغي على كل مستضعفي العالم أن يخطو قدما في سبيل ذلك. ويقول حضرته في هذا المورد:
آمل أن تتصل هذه الثورة بظهور الحجة، إمام العصر والزمان سلام الله عليه، وأتمنى أن يتم تصدير هذه الثورة لجميع أنحاء العالم للأخذ بيد المستضعفين ونصرتهم.
سوف نقوم بمشيئة الله تعالى بقطع أيادي الظالمين في الدول الاسلامية، وننهي سيطرة وظلم المستكبرين بتصدير الثورة التي تعتبر في الحقيقة تصديراً للاسلام الأصيل، وسوف نمهد الطريق لظهور منجي البشرية ومصلح العالم الإمام صاحب الزمان ارواحنا فداه.
ان الثورة الايرانية لا تختص بإيران وحدها، فالإسلام ليس حكراً على طائفة دون أخرى. بل هو للبشر كافة وليس للمسلمين ولايران فقط. فالأنبياء بعثوا للناس جميعاً، وكذلك نبي الإسلام(ص) كان خطابه موجهاً للناس جميعاً (يا أيها الناس). وثورتنا كانت لأجل الإسلام، وجمهوريتنا جمهورية إسلامية، والثورة التي تقوم لأجل الإسلام لا يمكن أن تكون محصورة في بلدٍ من البلدان أو حتى في البلدان الإسلامية، لأنها امتداد لخط الأنبياء وثورتهم. وثورة الأنبياء لم تكن خاصة بمكان معين، فالنبي الأكرم كان من جزيرة العرب. ولكن دعوته ورسالته لم تكن محصورة بالجزيرة العربية وانما كانت للعالم أجمع.
إن الثورة الإيرانية المقدسة ثورة إسلامية، ومن هنا فإنه من الطبيعي أن يتأثر بها جميع المسلمين في العالم.
أتمنى ـ كما قلتم ـ أن ترفعوا راية الجمهورية الإسلامية في البلدان الأخرى ايضا. أملي أن ينتصر المستضعفون على المستكبرين تحت راية الإسلام.
الإمام(ره) في نهاية مقدمة وصيته كتب:
ينبغي ان اذكر هنا بأن وصيتي السياسية الإلهية ليست موجهة للشعب الإيراني المجيد فحسب، إنما هي تذكرة لجميع الشعوب الاسلامية والمظلومين في العالم على اختلاف قومياتهم ومذاهبهم.
ج) كسب رضى امام الزمان(عج)
في فكر الإمام الخميني(ره)، وظيفة كل الناس والمسؤولين السعي إلى كسب رضى إمام العصر(عج) الصاحب الأصلي للحكومة الإسلامية، تاكيده المكرر في هذا المجال لكل طبقات المجتمع وخاصة إلى طبقة المسؤولين عمال الحكومة الإسلامية. إشارة إلى الأهمية الخاصة التي يويلها لهذا المورد. ونرى ذلك أيضا فيما يشير إليه(ره) في بياناته لعامة الناس إلى مقولة الانتظار البنّاء وأمور من هذا القبيل ما هو إلا سعي في سبيل حاكمية الإسلام . للمثال، يقول:
وهذا يتم من خلال اعتقاد الجميع التام بأنهم يؤدون وظائفهم بناءا على واجبهم وتكليفهم الشرعي، وأنهم الآن في جمهورية إسلامية وفي بلد يرعاه صاحب الزمان(عج) وهو يراقب أعمالهم، وعنده عمال يراقبون أيضا، ملائكة الله هم عماله. يجب أن يحس كل موظف في هذا البلد أنه تحت المراقبة وأن مراقبه هو إمام معصوم، وأن أعماله يجب أن تنال رضى الإمام المعصوم عندما تعرض عليه.
تكون النظرة إلى المؤسسة و إدارة الأمور نظرة أمينة عندما لا يسمح كل فرد لنفسه أن يتولى أو يقبل المسؤولية كيفما كان وعندما تحكم الجدارة التي تعتبر أهم أركان العدالة التنظيمية. الشخص الذي يقبل المسؤولية في نظام محوره الأمانة، ينبغي أن يكون الأصلح في البعد المعرفي المرتبط بالعلم والتخصص والأصلح في البعد السلوكي المرتبط بالتعهد وطلب الخير ونفي الخداع . ومن ناحية أخرى عليه أن يبرز هذا العلم والسلوك في تصرفاته وان يراعي كل أبعاد العدالة .
النظرة الأمينة إلى المسؤوليات الاجتماعية اعم من المسؤوليات الإدارية والتنظيمية والمسؤوليات الثقافية والاجتماعية و... توجب على الفرد أن يأخذ صاحب الأمانة بعين الاعتبار وان يرد الأمانة له. ففي طريقة إنجاز الأمور عليه أن يراعي حد الاحتياط في الأمور الشخصية والعامة، وان يقلص أرضية الفساد الإداري، الاجتماعي والتنظيمي إلى أدنى حد . في كلام حضرة الإمام الخميني(ره) نشهد تأكيد مكرر على عدم سوء الاستخدام للسلطة من قبل مسئولي الجيش والحكومة، ومن خلال مراجعتنا لوصياه إلى العمال الحكوميين نشاهد الأبعاد المختلفة لكلماته في هذا المجال.
النتيجة
في هذا المقال، بمحورية وجهات نظر حضرة الإمام الخميني(ره)، بيّنا في كثير من الموارد الحوافز التي اعتبروها المحققين الداخليين والخارجيين بعنوان رؤية وتتطلعات الثورة الإسلامية، أو ما يعرف بالأسباب العرضية و بعنوان مهام و أهداف طويلة الأجل للثورة الإسلامية ولا يمكن التعبير عنها بأنها رؤية أو أفق الثورة الإسلامية.
نظرة حضرة الإمام(ره) إلى الثورة الإسلامية بعنوان أنها أمانة إلهية وظيفة العموم الحركة لتسليم هذه الأمانة إلى صاحبها الأصلي ـ إمام العصر(عج) ـ، إحدى النقاط الأساسية التي ينبغي الالتفات إليها،وكما تقدم، إن كلام الإمام الخميني(ره) حول مستقبل الثورة الإسلامية، بشكل شفاف، صريح وواضح يحكي عن "يجب" وهي أن مستقبل الثورة يجب أن يؤدي إلى ظهور إمام الزمان(عج)" . ومن هذا الجانب فان كل هدف ورؤية سامية نضعها للثورة الإسلامية الايرانية، يجب أن تتحدث بنفس الوضوح عن هذا الهدف . وفي غير هذه الصورة لا يمكن تصور سند، وروح لها. فطبقاً لكلامه(ره) الدقيق، الواضح والصريح، إن الروح الأصلية لهذه الثورة متجذرة في التمهيد لظهور الحكومة العالمية لحضرة ولي العصر(عج).
المصادر
ـ مقتطفات من مقالة نظرية "الأمانة" للإمام الخميني(ره)" ورؤية وتطلعات الثورة الإسلامية في شعاع العقيدة المهدوية المطبوع في الفصلية العلمية ـ بحثية المشرق الموعود السنة الرابعة، العدد15، خريف 1389 هجري شمسي، تأليف اصغر افتخاري، محمد نوروزي، محمد مهدي ذوالفقارزاده.
ـ الخميني، السيد روح الله، صحيفة الإمام (22 مجلد) طهران، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني(ره) (طبع ونشر عروج)، الطبعة الرابعة 1385 هجري شمسي.