دور علامات الظهور في هندسة الدین
الدکتور نصرتالله آیتي
قال رسول الله صلی الله علیه وآله:
«لا یقوم بدین الله إلّا من أحاطه من جمیع جوانبه».
یمکن دراسة وتحلیل المباني والمفاهیم الدینیة من منظارین:
المنظار الأول:دراسة وتحلیل المباني والمفاهیم الدینیة بشکل مستقل وعلی حدة أما المنظار الثاني:فهو الالتفات إلی کل مبنی ومفهوم من خلال المجموعة الدینیة والدور الذي یلعبه في هندسة الدین، وکذلک النسبة مع سائر أجزاء الدین.
ومن الواضح أن المنظار الثاني یمکن الوصول إلیه عبر التصویر الصحیح والتحلیل الأکثر شمـولیة، لأن الدین حلقات متصلة مع بعضها ومنسجمة، لها أهدافها الخاصة.إذ یمکن التعرف علی المنزلة الحقیقیة لکل مفردة من تلک المباني والمفاهیم من خلال ما تشغله من ثقل وحجم في داخل المجموعة وتناسبها مع سائر الأجزاء.
ویمکن مشاهدة علامات الظهور عبر هذا المنظار أیضاً، والحصول علی نظرة شاملة وجامعة، یعني تحلیل مفردات تلک المباني والمفاهیمم من خلال الالتفات إلی المجموعة الدینیة، وتاسبها مع أهداف الدین والمشروع الدیني وسائر أجزائه.
وماذکر في الکتب المبینة لفلسفة علامات الظهور إنما هو منظار مستقل للعلامات عادة، أي بمعنی:لحاظ علامات الظهور بشکل مستقل، وأن لکل منها أداءها الخاص، ولکن یبدو من ذلک، أن هذا المنظار لا یحکي عن کافة الحقائق حول علامات الظهور، والذي یکمل تصویرنا لهذا المبنی والمفهوم الدیني هو تلک النظرة الشمولیة والجامعة تحدیداً.لأننا إذا قبلنا أن للدین هدفاً، وأن له مشروعاً للوصول إلی هذا الهدف، فمن الطبیعي في القیام بدراسة وتحلیل صحیح للعلامات التي تعد بنفسها جزءا من المباني والمفاهیم الدینیة، أن یکون هناک التفات إلی ذلک الهدف والمشروع وسائر أجزاء الدین.
أما في ظل الالتفات إلی هذا الهدف والمشروع وسائر أجزاء الدین، فبإمکاننا تفسیر ماهیة بحث العلامات وأداء کل منها، وینبغي متابعة البحث حول علامات الظهور في الدین کله والهدف والمشروع الدیني في مکان آخر.
إن ما یمکن بحثه وتناوله هنا هو علاقة ونسبة بحث علامات الظهور في مقارنتها بأجزاء الدین الأخری، والتي لها ارتباط بهذا البحث.
والذي یبدو من المجموعة الدینیة أن هناک تقارب وصلة عمیقة بین الأصول الحاکمة علی الحرکة بصورة خاصة مع بحث علامات الظهور.لأن علینا تکالیف بالنسبة للإمام المهدي علیه السلام في عصر الغیبة، هذا من جهة، فهي وإن کانت من سنخ التکالیف الفردیة، لکن أساس مسئولیاتنا تجاه الإمام المهدي علیه السلام تعد مسئولیات اجتماعیة، لأن للإمام أهداف، منها:
الإعداد للظهور وتحقق الأرضیة له في التمهید لبناء وتشکیل المجتمع.فعلینا إذاً في حدود مسولیاتنا وقابلیاتنا أن ندعم الإمام لکي یصل إلی أهدافه المنشودة، ولا یتحقق هذا الإنجاز العظیم بصورة فردیة، واالسیر إلی الأمام، وعلی هذا، ینبغي مرافقة جماعة، واصطحابهم، وهذه هي بدایة الحرکة الاجتماعیة لتحقیق الهدف الاجتماعي.
ومن جهة أخری، ستتزامن هذه الحرکة الاجتماعیة الواسعة والشاملة مع حرکة السفیاني أو الیماني التي عدت من علامات الظهور، ومن هنا نعلم:أن لو کان لعلامات الظهور استراتیجیات وأداء معین؛فإن أهمها سیتعلق بالجانب الاجتماعي، یعني أن تکون علامات الظهور الدلیل لحرکة المجتمع للإعداد للظهور، والقیام بالوظائف والمسئولیات المرسومة في قبال الحرکات الاجتماعیة التي تمت کحرکة الیماني والسفیاني.
ومع هذه التوضیحات، السؤال المطروح هنا هو:
هل أن الطریق الوحید أمام الدین هو هدایة المجتمع، في شأن الإقدام و الحرکة، أو في کیفیة المواجهة مع الحرکات التي بدأت، وأنها من علامات الظهور؟إذ لیس في الدین أصول ومعاییر:أن المؤمنین إذا واجهوا حرکة اجتماعیة أو کانوا هم ینوون القیام بنشاط وحرکة اجتماعیة، فمسئولیتهم تقتضي أن یعرفوا ماذا علیهم أن یفعلوا؟ومن أین یبدأوا؟وفي أي الظروف یمکنهم القیام بذلک؟وإلی أین یتقدموا ویواصلوا هذا الزحف والمدّ؟و...
ومن الواضح أن الإسلام هو دین شامل وجامع، یتضمن الهدایة و العدید من البیانات والإرشادات، وهي تعلمنا کیفیة القیام بالوظائف والمسئولیات في کل حالة وفي أي زمان ومکان، وعلی هذا ستکون الإجابة علی تلک التساؤلات والتساؤلات المشابهة، مرتکزة علی أصول حاکمة علی الحرکة، فلو واجهنا مثلاً حرکة اجتماعیة کحرکة الیماني أو السفیاني، فستظهر لنا الأصول الحاکمة علی تلک الحرکات:من نسایر من تلک الحرکات ومن نعارض؟فتقول لنا هذه الأصول الحاکمة مثلاً:إذا لم تکن دعوته لنفسه بل دعوته للإمام، کان ذلک في محله، وبمنظار ضعف العدو أو قوة الأنصار في وضع مطلوب وجید و...غیره، وإلا فلا، بل أعد القوات وتغلغل في أعماق صفوف العدو، وأعد العدة للقیام بحرکة ومواجهة مطلوبة!وعلی هذا الأساس، عرفنا أن من یخطط ویبرمج إنما یخطط ویبرمج لمباني وأهداف الدین من جهة، وتکالیف الدین من جهة أخری، وصیاغة الأصول والمعاییر الدینیة في ظروف مختلفة، هذا من جهة، ومن جهة أخری:قدرته علی التعرف علی وظائفه ومسئولیاته في أي الحالات وتناسب الظروف تجاه الإمام، ویکون له حرکة أیضاً مع الحرکات الموجودة في المجتمع، والإقدام علی ذلک من خلالها، سواء حصلت علامات الظهور أم لم تحصل!.
فلسفة علامات الظهور
یظهر علی ضوء التوضیحات المذکورة المتقدمة السؤال التالي:أننا لو أردنا القیام بمسؤلیاتنا ووظائفنا في کافة الظروف والحالات من خلال دعم الإرشادات الدینیة والأصول الحاکمة علی الحرکة، فبأي الأهداف یتم استعراض علامات الظهور؟وماذا یهدف الأئمة المعصومین علیهم السلام في بیانهم علامات الظهور؟
یمکن الإجابة علی هذا السؤال:
بأن علامات الظهور یمکن أن تثمر في موضعین علی الأقل:
الموضع الأول:المحل الذي یجهل فیه الناس، بسبب إهمال المتصدین والمسئولین في المجال الدیني، أو غفلتهم عن هذه البیانات والمعاییر.
الموضع الثاني:المحل الذي لا یصلون فیه إلی الهدایة علی أساس المعاییر والضوابط الموجودة، بسبب الابتلاء بفخاخ الشبهات والضجیج الإعلامي وافتعال الأجواء من قبل جبهة الباطل وتعقید الأوضاع.
فیمکن للعلامات هنا أن تحل المشکلة، لتتم الحرکة بالاتجاه الصحیح علی ضوئها.
وللتوضیح أکثر:یمکن مراجعة ما قام به النبي صلی الله علیه وآله في زمن الفتنة والتعلم منه ذلک.
کلنا یعلم أن النبي صلی الله علیه وآله کان قد تحدث کثیراً عن إمامة علي علیه السلام وخلافته من بعده، وأظهر ذلک بالشواهد والبینات والنصائح والإرشادات والمواعظ، وأثبت أحقیة الإمام علي علیه السلام، ولزوم اتباع الناس له من بعده، وقد بلغت الشواهد والبینات من الکثرة، أن أحداً لو أراد اتباع الحق ومعرفته، فبمجرد قراءته لهذه الشواهد واطلاعه علیها، لأمکنه التعرف والوصول إلیها.
وعلی کل حال، بیّن النبي صلی الله النبي علیه وآله علامات أخری بعد الإفصاح عن تلک الحقائق والکشف عنها، وعرض ضوابط وقرارات في ذلک، فقال:
«تقتل عمار الفئة الباغیة» .
أفهم النبي صلی الله علیه وآله المسلمین من خلال هذا الحدیث الصحیح أنهم متی ما عجزوا عن تشخیص الحق من الباطل في أجواء الفتنة، أن یعلموا أن الذي یقتل عماراً هم جبهة الباطل.
أو ماذکره صلی الله علیه وآله عن کلاب الحوأب، وأن إحد نسائه لا تخطو في مسیر الحق تنبحها کلاب الحوأب .
وأکد أیضاً علی صدق لهجة أبي ذر الغفاري، فما دام أبو ذر ینطق بصدق لهجته عن انحراف عثمان، فالناس الذین ابتلوا بالفتنة قادرون علی تشخیص البئر من الطریق کما یقال، فقال صلی الله علیه وآله:
مَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ وَ لَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِيذَرّ .
ومن الواضح أن وجود هذه العلامات لا یعني عدم الحاجة إلی البینات والمعاییر، ولیس معناه أن النبي صلی الله علیه وآله لم یکشف عن تشخیص الحق من الباطل، بل شهد التاریخ أنه صلی الله علیه وآله کشف عن هذه الحقیقة في کافة مراحل رسالته صلی الله علیه وآله، وبین تلک المعاییر. ومع ذلک کله، وضع صلی الله علیه وآله متتمات لذلک وهي العلامات، فعرّف عنها في وقت الحاجة والضرورة لمن جهل الأصول والمعاییر، أو التبست علیهم الشبهات، وکانوا عاجزین في الأجواء الملوثة التي أثارها العدو عن الفهم الصحیح لتلک المعاییر، والقدرة علی بیان مسیر الحق.
ولعلامات الظهور أیضاً إلی جانب الأصول والضوابط الدینیة دور مکمل ومساعد، وکونها مفیدة أثناء الجهل أو سیطرة الشبهات، ولها أداء سلبي وإیجابي. ففي ظل الأداء السلبي یمکن معرفة المدعين کذباً وزوراً، وکذب المدعین للمهدویة قبل تحقق العلامات الحتمیة، وإمکان الأمل والتسریع في الإعداد والتهیؤ في الأداء الإیجابي.
وینبغي التأکید أیضاً أن لهذه کلها دوراً مکملاً فقط، والدور الأصلي في الهدایة إنما یتم علی عهدة تلک الأصول، والضوابط الموجودة في الدین، والأصول والضوابط المقررة المتعلقة بکافة الأزمنة والأمکنة وکافة الحالات والظروف، ومنها عصر الغیبة.
تمایز الأصول الحاکمة وعلامات الظهور
اتضح مما سلف أن هناک وجوهاً للتمایز بین الأصول الحاکمة وعلامات الظهور، وهي عبارة عن:
1. أصالة الأصول وإکمال العلامات
لعلامات الظهور في المقارنة بالأصول والمعاییر دور فرعي، لتحل في الرتبة الثانیة، وبعبارة أخری:لها دور المکمل، وأن أداء المؤمنین في عصر الغیبة هو أکثر من الاستناد لعلامات الظهور، بل ینبغي أن یرتقي إلی الرتبة الأولی علی أساس الأصول والضوابط العامة.
2. استخدام الأصول في کافة الحالات والعلامات في حالات خاصة
عندما تعاني الروایات والنصوص لعلامات الظهور في کثیر من الحالات من ضعف السند أو عدم وضوح الدلالة، أو وجود الشکوک والتردید في تشخیص مصادیقها وتطبیقاتها علی الموارد في الخارج، فلا تکون روایات علامات الظهور محل ثقة واعتماد، إذ في عصر الغیبة المليء بالصعود والنزول، وقعت أحداث جمة، تجاوزت الألف حدث اجتماعي، لم یشر لها في روایات علامات الظهور، وعلی هذا، إذا أردنا صرف النظر عن الأصول الحاکمة ومعاییر الدین العامة، واکتفینا بروایات علامات الظهور فقط، فلا نقدر أن نتخذ موقفاً صحیحاً تجاه هذه الوقائع والأحداث، ولکن في مثل هذه الحالات، ومع التمسک بمثل هذه المعاییروالملاکات الدینیة، فبإمکاننا اتخاذ موقف صحیح تجاه الوقائع والأحداث الاجتماعیة، وعلی هذا، لا نظیر لدور الأصول والمعاییر الدینیة في مقارنتها بعلامات الظهور.
ومن ناحیة أخری، لو کان هناک ثقة واعتماد بسند ودلالة روایات علامات الظهور، ولم یکن هناک مشکلة أیضاً في شفافیة التطبیق علی المصداق الخارجي، فهناک احتمال وجود مصداق آخر کذلک، یعني أن هناک احتمال أیضاً، یمکن أن یتحقق في المستقبل مصداق آخر، قد تنطبق علیه الروایات والنصوص، وأن هذا المورد الآخر هو غرض الإمام الحقیقي، ولیس المصداق الأول، إلا إذا تحققت مجموعة من علامات الظهور بعضها إلی جانب البعض الآخر، وفي هذه الحالة، یضعف جداً احتمال تکرار المصداق، فمثلا، ینتفض شخص في الشام، ویحتل خمس مناطق کما ذکرت الروایات، فیقتل الکثیر في العراق والمدینة، ویخرج في مثل هذا الوقت رجل مصلح من الیمن، ویعلو لواء الحق في خراسان أیضاً، و...فنثق من خلال مجموع الوقائع والأحداث المذکورة أن الذي انتفض في الشام هو السفیاني، وأن الذي ظهر في الیمن هو الیماني، والثالث في خراسان هو الخراساني.
ومن الواضح أیضاً، أننا لو أردنا الانتظار في هذا المورد، لیتم تشکیل هذه المجموعة، ثم نفهم بعد ذلک، ماذا علینا أن نفعل؟لضاعت منا فرصاً کثیرة أدراج الریاح، بل ربما انتهی کل شيء، في حین أننا التفتنا إلی المعاییر والبینات والارشادات والمواعظ الدینیة مسبقاً، وعلمنا منذ البدایة بهذه التحرکات بل حتی قبل تحققها وتواجدها، لکن ماذا علینا أن نفعل؟وماهو القرار والموقف الذي علینا أن نتخذه؟
یرید هؤلاء أن ینتظروا، لیخرج السفیاني، الیماني، الخراساني، ومن ثم یفهموا ماذا علیهم أن یفعلوا؟مثلهم کمثل من لایشخص الحق ما دام عماراً لم یذهب إلی الجلاّد ولم یقتل!
حقاً!!کم هناک فرق بین هؤلاء قبل استشهاد من هم أشبه بعمار، بالرکون إلی البینات وموازین الدین، فیعتقدوا أن علیاً علی الحق، وبین هؤلاء الذین لم یستیقضوا ویستفیقوا من غفوتهم ما لم یرق دم عمار علی الأرض؟!
3. لایمکن تفسیر الأصول خطئاً ویمکن ذلک في العلامات
النقطة الأخری التي تبین مدی الأهمیة الغیر مشابهة للأصول ومعاییر الدین العامة في المقارنة بعلامات الظهور، هي:أن بعض العلامات التي تمتلک خصائص التفسیر الخاطئ أو إعداد المشابه المضاهي لها، کما قام معاویة بتوجیه قتل عمار لإضلال الرأي العام فقال:جاء علي بعمار فألقاه بین أسیافنا، فالقاتل لعمار هو علي!أو کما ورد في الروایة، أن صیحة من السماء تنادي بوقوع حادثة مدهشة ومعجزة، فیصیح الشیطان مثلها یسمعه من في الأرض والسماء، فیشتبه الأمر علی کثیر!والملفت للنظر أن الروایات صرحت أن من ینجو من فتنة الشیطان هم من عرفوا الأصول والمعاییر، وإلیک ألفاظ الروایة کما یلي:
عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ7 يَقُولُ: يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: إِنَّ فُلَاناً هُوَ الْأَمِيرُ، وَ يُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ عَلِيّاً وَ شِيعَتَهُ هُمُ الْفَائِزُونَ. قُلْتُ: فَمَنْ يُقَاتِلُ الْمَهْدِيَّ بَعْدَ هَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يُنَادِي: إِنَّ فُلَاناً وَ شِيعَتَهُ هُمُ الْفَائِزُونَ _ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ _. قُلْتُ: فَمَنْ يَعْرِفُ الصَّادِقَ مِنَ الْكَاذِبِ؟ قَالَ: يَعْرِفُهُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْوُونَ حَدِيثَنَا، وَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، وَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ هُمُ الْمُحِقُّونَ الصَّادِقُون .
نشاهد علی أساس ما روي عن الإمام الصادق علیه السلام:أن تشخیص
علامات الظهور بالعودة إلی الحقائق کاعتماد معیار أهل البیت علیهم السلام، والثقة والاعتقاد بأحقیتهم، هي بنفسها أصول ومعاییر أسمی من علامات الظهور، وهي قابلة للتشخیص أیضاً.
4. تقدیم الأصول علی علامات الظهور في مقام التعارض نستنتج مما سلف:
إذا تعارضت الأصول الحاکمة علی الحرکة مع علامات الظهور، کما لو نهي مثلاً
عن معاییر دینیة ترافق حدثاً اجتماعیاً، إلا أن روایات علامات الظهور تأمر به، فلو أمکننا تطبیق الروایات علی مصداق خارجي بصورة قطعیة ومتیقنة، ففي هذه الحالة، تقدم الأصول والضوابط العامة علی علامات الظهور، لأن الأصول ضوابط عامة تتواجد في کل مکان،
ولها صبغة الدوام والشمول، أما العلامات فهي ناظرة إلی المصداق الخارجي
والتوصیات الفرعیة.
وبعبارة أخری:إنما قیلت العلامات لأجل هذا وهو: إننا من خلالها یمکننا تحدید المعاییر والمفاهیم الدینیة العامة، والعمل علی ضوئها، وعلی کل حال، تقدم الأصول والمعاییر علی علامات الظهور عند التعارض.
إن ما سلف ذکره، یمکن أن یتضمن هذا الخطاب وهو:أن وظیفة ومسئولیة علماء الدین في أمر هدایة المجتمع في الدرجة الأولی هو:اعتماد الدین علی الإرشادات والبینات، فإذا أراد علماء الدین إیصال الناس إلی مرحلة الانتظار والإستعداد، وتدفق ینبوع الإنتظار المتصل بأعماق نفوس الشیعة وأرواحهم، فینبغي بناء هذا الأمر الهام علی معارف عمیقة في الدین، کالالتفات إلی قدر ومنزلة الإنسان والاستعدادات الظاهرة والباطنة فیه، وحالات الارتقاء والتعالي الحاصلة عنده، وبإمکانه نیلها والوصول إلیها، والاضطرار إلی حجة الله-العالم بکافة الأمور والمتحررمن کل القیود-لإظهار ارتقائه وتعالیه، ومسایرته إلی الأبد حتی الوصول إلی منزله المنشود.
إن هذه النقاط العمیقة ونظائرها:
هي تلک الإرشادات والمعاییر الدینیة، التي لو تفطن لها الانسان، فسوف لن یغفل لحظة واحدة عن الإمام، بل یعد الثواني واللحظات للقائه ورؤیته، ویری أن العیش بدونه خسارة، والتنفس في عالم لا یظهر فیه إمامه، صعب لا یستساغ ولا یطاق، وأنه سینفق کل ما عنده من مال وثروة من أجل الوصول إلیه.
إن من وصل إلی هذه المنزلة والنظرة، لا یهمه أن تلک العلامة هل وقعت أم لا؟لیفتح عینیه ویستیقظ علی رؤیة طلعته البهیة ووجهه الکریم، وتتقد في قلبه ووجدانه شعلة أمل الظهور، فیستعدد ویتهیأ له، ویستیقظ ویستفیق قبل هذا، تزامناً مع الأمل بالظهور، ولیس الاستعداد والتهیؤ فقط لإدراک محضر إمامه علیه السلام، بل اتصاف هذا المجری بالسرعة، فلا یقف بوجهه مانعاً یعیق طریقه.
وینبغي التأکید علی هذه النقطة أیضاً، وهي:
لا یعني هذا عدم إبداء الأهمیة لعلامات الظهور، بل عده تنقیحاً وتصفیة لروایات علامات الظهور، وتبلیغه ونشره في لمجتمع، وهذا جو مفید و مطلوب، واستخدامه أیضاً في زمان الجهل والغفلة عن المعاییر.
وقد تکون هذه العلامات- شئنا أم أبینا-أعذاراً وحججاً بید المدعین المروجین لها یإساءة والمستغلین، وتطبیقهم هذه العلامات کذباً وزوراً علی أنفسهم أو غیرهم، لیصلوا إلی أهدافهم المشئومة من خلالها.
وعلی هذا، ینبغي البحث عن أسالیب وطرق وملاکات لمعرفة الروایات الصحیحة من السقیمة وخصائصها المتعلقة بکل واحدة من تلک العلامات وطرق تشخیصها إن أمکن.
ولکن ینبغي فهم أن الدین جاء لهدایة البشر، فأکد في أول خطوة منه علی المعاییر والأصول، لذا، ینبغي تواصل الجهود لمعرفة العلامات بحسبها ومنزلتها، علی ضوء الأصول
لا أکثر.